هذا الموقع عربون وفاء للاديب محمد زهير الباشا الذي أهدى الأدب المهجري دراسة بعنوان: شربل بعيني ملاح يبحث عن الله

محمد زهير الباشا وشربل بعيني جمعتهما الغربة





بقلم سناء زريقة


دراسة عن كتاب (يوم محمد زهير الباشا) قدمت في جامعة مكارثر ـ سيدني
بعد قراءة مفصَّلةٍ لكتـاب "يوم محمد زهير الباشا" القيّم، استوقفتني عدّة محطّاتٍ أدبيّة، منها خطابيّة ومنها شعريّة
، ورأيت نفسي مجبرة على الخوض في تحديد أهداف القصائد والمقالات التي ألقيت في المناسبة.
المهم ليس الهويّة أو الضيعة اللتين كتبت فيهما القصائد والمقالات، بل الأهم بنظري أهداف تلك الكلمات، والمعاني القيّمة والصور الشعريّة التي برزت فيها ومن خلالها في آن واحد.. والتي تحدّثت عن العلاقة التوافقيّة في نظرة كل من محمد زهير الباشا الأديب السوري، المدفون حيّاً في غربة اسمها أميركا، وشربل بعينـي الشّاعر اللبناني، المشلوح، منذ ربع قرن، على أرصفة غربة إسمها أستراليا.
من حيث المبدأ، نرى آثار طعنات خناجر الغربة واوجاعها، واضحة الملامح في حنين وشعور كلّ من الأديبين السّوري واللبناني، ونرى أن الكلمات والقصائد التي ألقيت في ذلك اليوم العظيم، قد سلّطت الأضواء على تلك الطعنات الإغترابية، وحاولت زرعها في أجسامنا، بغية التفاعل معها، والعيش في كلومها وأحاسيسها.
فكم للغربة من أسلحة مدمّرة تستخدمها ضدّ كلّ مَن هجِّر من بلاده، لأنّه، ومن منظارٍ شخصيّ لا وجود لكلمة مهاجر في قاموسنا الإغترابي العربي بل مهجَّر.
فالأديبان الباشا وبعيني، كلاهما يعانيان الغربة، ويغوصان في خضمّات البحار العميقة، من أجل البحث عن درر المحبّة الأنيقة.. كلاهما يبحثان عن إلهٍ عادل يلتجئان إليه، عن تواضع فـي النفس، عن استقامة في السيرة، عن تسامح في العيش، واتحاد كلّ الأشياء المثالية في مكان "ما فيه للـه أثر" على حدّ تعبير شاعرنا عصمت الأيّوبي، الذي وضع الغربة في صورتها الحقيقيّة حين قال:
فكلاكما الملاّح يبحث عن إله
في مكان
ما فيه للـه أثر
إلاّ تلاشى واندثر
لا تيأسا فاللـه ينتظر التحرر والخلاص
قد ضاق ذرعاً بالبشر
واستاء من ظلم البشر
ومن حماقات البشر
حتّى بنفسه قد كفر
والبعض قال قد انتحر
فيا لها من درر تصوّر الواقع بكل صدق ومحبّة، تصوّر الواقع الذي جمع بين بحّار من سيدني وبحّار من أميركا، والإثنان مُهجّران ينتميان، في الحقيقة، إلى أصل واحد ومنبع واحد.
نعم، المصيبة تجمع حول جرحها كلّ مَن تعذّب وسالت دموعه ومشى طريق الآلام.. إنها الغربة الّتي جمعت بين هؤلاء الأبطال القائلين في يوم الأدب المهجري، يوم محمّد وشربل:
ـ الياس أبي خطّار
.. وحدها الكلمة الصّادقـة الشّريفة تجمع ما فرّقته السّياسة .."
ـ كلارك بعيني
Mhammad Zouher Elbasha.. blessed our libraries recently with his book.."
ـ أكرم برجس المغوّش
"هذه ليست فئة النخبة المريضة، بل هي الإشعاعات الفكرية التي تغمر دروب الحياة، وتفتح آفاق التطور والرقي والمد الحضاري.. مع هذه الإشعاعات الفكرية المميزة نجتمع في يوم الأديب الاستاذ محمد زهير الباشا
ـ أنطونيوس بو رزق
"... ونستشف أن هنـاك انسجاماً واضحاً، وتوافقاً شبه تام، بين أديبنا وشاعره، في الميول والأحلام والرؤيا، والنظرة إلى القضايا الوطنيّة والإجتماعية والإنسانيّة
ـ جميل الدويهي
يوم خلعت له بردي، وقلت له
يا ملعب الشّعر وسّع، زانك الشُّعَرا
يوم يكذب من بالدهر يذكره
فإنه الدهر، مجموعاً، ومختصرا
يمتد في رحم التّاريخ أوله
ويقطع اللحظة الصّماء منتصرا
ـ جوزاف بو ملحم
".. فقلت للشاعر شربل بعيني: يبدو لي أن الباشا يكتب عن ذاته ومأساته وإن كان يستشهد بأشعارك "
ـ راشد الحلاّب
"يا لها من أمسية يلتقي بها محمّد وشربل.. نعم أيها الأخوة، نحن أبناء الشّرق علينا جميعاً أن نتعالى عن السلبيّات
والإنقسامات
ـ زين الحسن
يا يقظة البحّار يا ملاّح راد
يبحر ورا المجهول يبحث عن إله
في كون غارق بالظّلم والإضطهاد
أبعد من حدود الأنا وأطول مداه
ـ عصمت الأيّوبي
أنتم هنا لبنان
في المنفى ودنيا الإغتراب
كونوا جميعاً للوطن
كونوا على طول الزّمن
أو تدفعوا ثـمن التمزّق بينكم أغلى ثـمن
ـ عصام ملكي
باشا وبعيني متل نار على علم
مجدُن ضوي عَ كلّ صفحه معتمي
ومجد لْـ مجدليا بأرباب القلم
الْـ فيهم حروف الأبجديّه مغرمي
ـ فؤاد نعمان الخوري
ومين قال: بيروحو الغجر؟.. مين قال؟
وشاعر نسي تاريخ ميلادو
لا سهول حفظت دعستو، ولا جبال
جوّّال، مطرح ما الحلم قادو
ـ كامل المر
.. إن الإغتراب قد يكون اغتراباً عن الوطن، وقد يكون اغتراباً في الوطن. وزهير قبل أن يعاني من اغترابه عن الوطن، عانى من اغترابه في الوطن
ـ نعيم خوري
إني اخالك في الدنيا أخا سفرٍ
جناحك النّار، والطّوفان يصطخبُ
وفي سطوعك للأحرار ملحمة
على مداها استوت أمجادها الحقب
وفي جراحك أضواء مشرّعة
هل يسمع الشّرق، أم هل يبصر العربُ؟
ـ فؤاد نمّور
"أشكركم يا من هربتم من جحيم الوطن إلى جحيم الغربة، أشكركم يا من رفضتم أن تحرق أغصان الياسمين عن حفافي دروبكم... أجل، لقد اجتمع هؤلاء المغتربون الأبطال ليكرّموا رفيق دربهم الأستاذ محمد زهير الباشا، الذي كرّم بدوره كلَّ واحد منهم عبر دراسته عن "شربل بعيني ملاّح يبحث عن الـله"، فكانت كلماتهم وقصائدهم التي ألقيت في المناسبة، تدعـو للإتـحاد ولنبذ الأحقاد والضغائن والفتـن.. كانت كلّها، من ألفها إلى يائها، تدعو للمحبّة والتسامح، وتطعّم أحاسيسنا بالشّيم العالية في دنيا الإغتراب، لنتمكّن من تحدّي المآسي وتخطّي الصعاب.
لذلك، فإنني أدعو جميع الناطقين باللغة العربيّة إلى قراءة هذا الكتاب القيّم، ودراسة كل كلمة فيه دراسة واعية، لأن "يوم محمّد زهير الباشا" بنظري، مزيج من نتاج أناس طيّبين، جمعتهم المحبّة على بيـادرها، كما قـال جبران، فأصبحت كلماتهم عبارة عن باقة أزهار مختلفة الأنواع والألـوان، لكـل زهرة عطـرها ولونـها الخاصّان بها.. ولباقة الزهر مجتمعة لونها المميز، وعطرها المميز، وهذا ما يسمى بالتقييم الحقيقي والبلوغ السّامي.
مني ألف تقدير ومحبّة، لكلّ من اشترك في هذا اليوم التاريخي، يوم محمّد زهير الباشا
ــــــــــــــــ
المراجع
ـ كتاب "يوم محمّد زهير الباشا"، سيدني 1989